الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

فن تلبيس الحذاء

سأحكي واقعتين :
في عام 1948 ، ذهب الملك فاروق ومعه رئيس وزراء مصر محمود فهمى النقراشي الى احتفال لاستطلاع هلال شهر رمضان .طبقا للبروتوكول كان رئيس الوزراء جالسا بجوار الملك بينما جلس الشماشرجي ( خادم الملك ) بجوار السائق . بمجرد وقوف السيارة كان الواجب أن يقفز منها الشماشرجي ويفتح الباب لينزل جلالة الملك .

اكتشف الشماشرجي أن مقبض الباب عطلان وحاول أن يفتح الباب فلم يتمكن. مرت لحظات وصار الموقف محرجا . السيارة واقفة والملك لم ينزل . بجوار السيارة وقف ضابط في الحرس الملكي ولواء في البوليس . صرخ اللواء في الضابط الشاب :
ـــ افتح الباب لمولانا الملك
فاذا بالضابط يرد بصوت عال :
ـــ افتح الباب سيادتك . أنت أقرب .
أنهى الملك الموقف المحرج وفتح الباب بنفسه ونزل الى الاحتفال . ذلك اليوم لم يكن هناك حديث في القصر الملكي الا عن ضابط الحرس الذى رفض علانية أن يفتح الباب لجلالة الملك . كان العاملون في القصر متأكدين أن مستقبل هذا الشاب قد انتهى ، سيفصلونه قطعا من الخدمة وربما يحاكم عسكريا ويقضى شهورا أو أعواما في السجن الحربي .في اليوم التالي ما أن دخل الضابط الشاب الى القصر حتى استدعاه قائد الحرس الملكي الى مكتبه ودار بينهما الحوار التالي :
القائد
ـــ لماذا خالفت أوامر لواء البوليس ورفضت أن تفتح باب السيارة لجلالة الملك ..؟!
الضابط ـــ السيد اللواء كان أقرب مني للسيارة الملكية فقلت له افتح الباب سيادتك .
القائد ــ ولماذا لم تفتح الباب لجلالة الملك بنفسك ...؟!
الضابط ــ يافندم أنا ضابط حرس ملكي ولست شماشرجي . مهمتى حراسة الملك وليست فتح الأبواب
تأمل القائد الضابط الشاب ثم اصطحبه الى مكتب كبير الياروران وتركه ينتظر في الخارج ، وبعد قليل خرج قائد الحرس الى الضابط الشاب وربت على كتفه وطلب منه أن ينصرف الى عمله ولم يعاقبه . هذه الواقعة الحقيقية كان بطلها الغريب الحسيني الحارس الخاص للملك فاروق وقد أوردها في مذكراته ( كتاب اليوم صفحة 48 ) ..
هنا نرى معان كثيرة : ها هو ضابط شاب يعتز بكرامته ويرفض أن يكون خادما للملك نفسه وهو مستعد لافتداء الملك بحياته لكنه يرفض أن يفتح له الباب ثم هاهو قائد الحرس ومن بعده كبير الياوران يتفهمان تماما حرص الضابط على كرامته فيصرفانه بدون عقاب
الواقعة الثانية حدثت منذ أيام وشاهدت تسجيلا لها في برنامج الأستاذ الكبير ابراهيم عيسى :
فقد ألقى مرشد الاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع درسا دينيا على حشد من الاخوان في المسجد وفي لحظة خروج المرشد تزاحم حوله مجموعة من الاخوان راحوا ينحنون أمامه وقام أحدهم بتلبيس المرشد الحذاء . كل من يشاهد تسجيل الواقعة يلاحظ أن المرشد لم يعترض و ترك قدمه للشاب ليضع فيها الحذاء مما يدل على أن المرشد يقبل هذه المعاملة ويرتاح اليها .
نلاحظ أيضا مهارة الشاب في تلبيس المرشد الحذاء ولعله بدأ بفك الرباط حتى يتسع فم الحذاء لمقدمة القدم ثم أمسك بمؤخرة الحذاء وفردها جيدا لئلا تنبعج تحت قدم المرشد وفي ضربة واحدة بارعة أدخل الحذاء في القدم الكريمة وعقد الرباط بسرعة وكفاءة . . العجيب أن الشاب بدا فخورا مزهوا وكأنه نال شرفا كبيرا أو كأنه يقول : هل هناك أسمى من أن يلامس المرء قدم المرشد الكريمة ( حتى ولو من فوق الشراب ) ويضعها في الحذاء ويربطه بيديه ..؟!
هاتان الواقعتان تقدمان منطقين متناقضين :
ان الضابط الشاب الذى رفض فتح الباب يعتبر أن ولاءه للملك لا يمنعه من احترام نفسه وهو يصر على المحافظة على كرامته مهما يكن الثمن .
أما الشاب الذى ينحنى ليقوم بتلبيس المرشد الحذاء فهو خاضع مستمتع بخضوعه وهو لا يفهم الفرق بين الولاء والاذلال وهو يعتبر نفسه أقل من المرشد بكثير لدرجة أنه لايتحرج من أداء مهمة قد يرفضها الخدم .
المفهوم الأول يصنع من الضابط الشاب شخصية قوية محترمة ويجعله قادرا على التفكير المستقل واتخاذ القرار والمفهوم الثاني يصنع من حامل الحذاء تابعا ذليلا لا يمكن أن يكون رأيا أو يفكر بطريقة مستقلة عن سيده المرشد ..
ان جماعة الاخوان المسلمين تقوم على السمع والطاعة العمياء والولاء المذل الى درجة تلبيس الأحذية . الجماعة لها عقل واحد هو مكتب الارشاد الذى يرأسه المرشد أما الآلاف من شباب الجماعة للأسف فليسوا سوى أدوات لتنفيذ ارادة المرشد ولا يحق لهم الاعتراض أو النقد أو حتى التعبير عن أفكار مخالفة لأوامر المرشد .
الاخوان جميعا يقولون نفس الرأى في أى موضوع ويتخذون نفس الموقف في أية حادثة . اذا رضى عنك المرشد سيرضى عنك الاخوان جميعا فورا ويمتدحون حكمتك ووطنيتك وشجاعتك وبعد ذلك المديح الكثيف بأيام أو ساعات اذا اختلفت مع المرشد وأغضبته فان الاخوان سينهالون عليك باللعن والشتم أنت وأهلك وكل من يؤيدك وسيكتشفون أنك عميل غربي و فاسق عدو للاسلام كاره لشرع الله .
اذا اختلفت مع المرشد فأنت قطعا مخطيء لأن رأى المرشد هو الصواب ولا صواب غيره عند الاخوان والدفاع عن آراء المرشد واجب مقدس . .
نلاحظ أن كل الذين انشقوا عن جماعة الاخوان هم من أصحاب الشخصيات القيادية القوية التى لم تتحمل هذه الطاعة المذلة ونلاحظ أيضا أن هؤلاء المنشقين بمجرد خروجهم عن الجماعة قد تعرضوا الى هجوم كاسح مقذع من الاخوان لم يراع حتى الزمالة السابقة ولا التاريخ المشترك وبعضهم صاحب فضل حقيقي على الاخوان مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح .
ان مفهوم الولاء المطلق بطريقة الاخوان يعطل بلاشك قدرة الانسان على التفكير الخلاق المستقل ويجعله أقرب الى التابع منه الى عضو الجماعة أو الحزب . اذا اخترنا أقرب المقربين الى الدكتور البرادعي أو حمدين صباحي أو عبد المنعم ابوالفتوح ،
ثم اقترحنا عليه أن يقوم بتلبيس الحذاء لرئيس حزبه لاشك أنه سيرفض وسيغضب من وقاحة الطلب بل ان أحدا من هذه الشخصيات الكبيرة لن يقبل أبدا أن يقوم شخص بتلبيسه الحذاء .. قد يقول قائل : من حق الاخوان المسلمين أن يقبلوا يد المرشد ويلبسوه الحذاء كما شاءوا .. أليس هذا شأنهم وحدهم ..؟!
الاجابة أن ذلك كان شأنهم وحدهم في الماضى لكنهم الآن يحكمون مصر فلم يعد ذلك شأنهم بل شأن المصريين جميعا . لدينا رئيس من الاخوان المسلمين اضطر ملايين المصريين الى انتخابه ليس حبا فيه ولا اقتناعا بزعامته ولا انبهارا بنبوغه ولا انحيازا لأفكاره وانما انتخبه الناس ليمنعوا اجهاض الثورة وعودة النظام القديم على يد أحمد شفيق لا أكثر ولا أقل .. هذا الرئيس المنتخب أمضى حياته كلها في تنظيم الاخوان المسلمين .. أليس من حقنا أن نسأل رئيس مصر هل يوافق أن يقوم شاب بتلبيس الحذاء للمرشد وهل يرى الرئيس فى هذا التقليد اذلالا وانتقاصا من كرامة حامل الحذاء أم أنه يعتبره أمرا عاديا ..؟!
واذا كان يعتبره أمرا عاديا فما معنى الكرامة في نظر الرئيس مرسي ..؟!
بعد أن مرت مائة يوم من حكم الرئيس مرسي اكتشفنا ثلاثة حقائق :
أولا : أن الرئيس رجل يعد ولا يفي بوعوده . فقد وعد المصريين باعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور حتى تكون متوازنة وتعبر عن كل أطياف المجتمع بدلا من سيطرة الاخوان عليها .. ووعد الرئيس برعاية مصابي الثورة والقصاص للشهداء والافراج عن معتقلى الثورة جميعا وغير ذلك وعود كثيرة لم ينفذ الرئيس منها وعدا واحدا .. الغريب أنه لا يبدو على الرئيس أدنى خجل أو حرج من جراء تخليه عن الوعود التى قطعها على نفسه على الملأ بارادته الحرة . .
ثانيا : ان الرئيس مرسي لايمتلك رؤية سياسية أبعد من حسني مبارك . لم يفعل الرئيس شيئا لاجراء تغيير حقيقي في بنية نظام مبارك ، لقد اختار وزراء من فلول النظام السابق وأبقى لواءات الداخلية المسئولين عن قتل وتعذيب آلآف المصريين في مناصبهم وهو مثل مبارك ينحاز للأغنياء ضد الفقراء وقد تفاوض من أجل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بدون أن يعلن للشعب شروط القرض تماما كما كان مبارك يفعل ،
لقد عين وزيرا للاعلام من الاخوان ليقمع المعارضين وسيطر على الصحافة القومية بواسطة مجلس الشوري الذى قام بتعيين رؤساء تحرير تابعين للاخوان وسمح الرئيس مرسي بمحاكمة المصريين وحبسهم بتهمة اهانة الرئيس وهي تهمة وهمية شاذة لا توجد في أية دولة محترمة وترك المصريين يهانون داخل مصر وخارجها تماما مثل مبارك . يبدو الأمر الآن وكأننا بعد الثورة قد استبدلنا بالرئيس مبارك الرئيس مرسي بدون أى تغيير في الأفكار أو السياسات ...
ثالثا : الرئيس مرسي عضو في جماعة الاخوان المسلمين وهي تنظيم غير قانوني غامض لايعلم أحد مصادر تمويله ولا لائحته ولا نظام عمله . من حقنا أن نسأل هل يتخذ الرئيس مرسي قرارات الدولة بعيدا عن ارادة المرشد أم أنه ينفذ تعليمات المرشد في ادارة الدولة ..؟!.
لدينا اشارات كثيرة مقلقة :
فالقيادي الاخواني خيرت الشاطر يلتقى بالمسئولين في الدول الأجنبية ليناقش معهم مشروعات مشتركة مع مصر ولا يسأله أحد بأى صفة يتفاوض باسم مصر وهو لايتولي منصبا رسميا يخول له ذلك .. وعندما قرر الرئيس مرسي اقالة المشير طنطاوي والفريق عنان ( وهذا انجازه الوحيد حتى الآن ) صرح القيادي الاخواني عصام العريان قائلا :
ــ "ان الرئيس قد اتخذ قرار الاقالة بدون موافقة المرشد الذى كان معتكفا في أواخر رمضان "
معنى ذلك ببساطة أن المرشد لو لم يكن معتكفا لكان أدلى بدلوه في قرار سياسي بهذه الخطورة ولعله يقبله أو يرفضه فهل كان الرئيس يقدر عندئذ على مخالفة أوامر المرشد ..؟!. ان واجب الرئيس مرسي يفرض عليه اجبار جماعة الاخوان المسلمين على توفيق أوضاعها والخضوع للقانون والكشف فورا عن مصادر تمويلها..

ان المصريين بعد أن قاموا بثورة عظيمة دفعوا ثمنها دما وقدموا من أجلها آلاف الشهداء لن يقبلوا أبدا التفريط في حقوقهم الانسانية التى يستمر اهدارها الآن تحت حكم الاخوان كما أهدرت تحت حكم مبارك .
الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها كاملة . . .
الديمقراطية هي الحل
**************************  
جملة اعتراضية بقلم د. علاء الأسواني

0 التعليقات

إرسال تعليق